فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قوله: {وَإنمَا أَنَا نَذير مبين} معناه أن الآية عند الله ينزلها أو لا ينزلها لا تتعلق بي ما أنا إلا نذير وليس لي عليه حكم بشيء ثم إنه بعد بيان فساد شبهتهم من وجه بين فسادها من وجه آخر، وقال هب أن إنزال الآية شرط لكنه وجد وهو في نفس الكتاب.
{أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتَابَ يُتْلَى عَلَيْهمْ}.
فقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهمْ} يعني إن كان إنزال الآية شرطًا فلا يشترط إلا إنزال آية وقد أنزل وهو القرآن فإنه معجزة ظاهرة باقية وقوله: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ} عبارة تنبىء عن كون القرآن آية فوق الكفاية، وذلك لأن القائل إذا قال أما يكفي للمسيء أن لا يضرب حتى يتوقع الإكرام ينبىء عن أن ترك الضرب في حقه كثير فكذلك قوله: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} وهذا لأن القرآن معجزة أتم من كل معجزة تقدمتها لوجوه: أحدهما: أن تلك المعجزات وجدت وما دامت فإن قلب العصا ثعبانًا وإحياء الميت لم يبق لنا منه أثر، فلو لم يكن واحد يؤمن بكتب الله ويكذب بوجود هذه الأشياء لا يمكن إثباتها معه بدون الكتاب وأما القرآن فهو باق لو أنكره واحد فنقول له فأت بآية من مثله الثاني: هو أن قلب العصا ثعبانًا كان في مكان واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل أحد، وهاهنا لطيفة وهي أن آيات النبي عليه السلام كانت أشياء لا تختص بمكان دون مكان لأن من جملتها انشقاق القمر وهو يعم الأرض، لأن الخسوف إذا وقع عم وذلك لأن نبوته كانت عامة لا تختص بقطر دون قطر وغاضت بحيرة ساوة في قطر وسقط إيوان كسرى في قطر وانهدت الكنيسة بالروم في قطر آخر إعلامًا بأنه يكون أمر عام الثالث: هو أن غير هذه المعجزة الكافر المعاند يقول إنه سحر عمل بدواء، والقرآن لا يمكن هذا القول فيه.
ثم إنه تعالى قال: {إن في ذلك لَرَحْمَةً} إشارة إلى أنا جعلناه معجزة رحمة على العباد ليعلموا بها الصادق، وهذا لأنا بينا أن إظهار المعجزة على يد الصادق رحمة من الله، وكان له أن لا يظهر فيبقى الخلق في ورطة تكذيب الصادق أو تصديق الكاذب، لأن النبي لا يتميز عن المتنبي لولا المعجزة، لكن الله له ذلك يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقوله: {وذكرى} إشارة إلى أنه معجزة باقية يتذكر بها كل من يكون ما بقي الزمان.
ثم قال تعالى: {لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} يعني هذه الرحمة مختصة بالمؤمنين لأن المعجزة كانت غضبًا على الكافرين لأنها قطعت أعذارهم وعطلت إنكارهم.
ثم قال تعالى: {قُلْ كفى بالله بَيْنى وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا} لما ظهرت رسالته وبهرت دلالته ولم يؤمن به المعاندون من أهل الكتاب قال كما يقول الصادق إذا كذب وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدق الله يعلم صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينكم، كل ذلك إنذار وتهديد يفيده تقريرًا وتأكيدًا، ثم بين كونه كافيًا بكونه عالمًا بجميع الأشياء.
فقال: {يَعْلَمُ مَا في السموات والأرض} وهاهنا مسألة: وهي أن الله تعالى قال في آخر الرعد: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كفى بالله شَهيدًا بَيْني وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عندَهُ علْمُ الكتاب} [الرعد: 43] فأخر شهادة أهل الكتاب، وفي هذه السورة قدمها حيث قال: {فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمنُونَ به} [العنكبوت: 47] ومن هؤلاء من يؤمن به أي من أهل الكتاب فنقول الكلام هناك مع المشركين، فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ثم إن شهادة الله أقوى في إلزامهم من شهادة غير الله، وهاهنا الكلام مع أهل الكتاب، وشهادة المرء على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم.
ثم إنه تعالى لما بين الطريقين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد إلى الكلام الشامل لهما والإنذار العام فقال تعالى: {والذين ءامَنُوا بالباطل وَكَفَرُوا بالله أُوْلَئكَ هُمُ الخاسرون} أي الذين آمنوا بما سوى الله لأن ما سوى الله باطل لأنه هالك بقوله: {كُل شَيْء هَالك إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وكل ما هلك فقد بطل فكل هالك باطل وكل ما سوى الله باطل، فمن آمن بما سوى الله فقد آمن بالباطل، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {أولئك هُمُ الخاسرون} يقتضي الحصر أي من أتى بالإيمان بالباطل والكفر بالله فهو خاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسرًا فنقول يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتيًا بالآخر، أما الآتي بالإيمان بما سوى الله فلأنه أشرك بالله فجعل غير الله مثل غيره لكن غيره عاجز جاهل ممكن باطل فيكون الله كذلك فيكون إنكارًا لله وكفرًا به، وأما من كفر به وأنكره فيكون قائلًا بأن العالم ليس له إله موجد فوجود العالم من نفسه، فيكون قائلًا بأن العالم واجب والواجب إله، فيكون قائلًا بأن غير الله إله فيكون إثباتًا لغير الله وإيمانًا به.
المسألة الثانية:
إذا كان الإيمان بما سوى الله كفرًا به، فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله، فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد الذي هو في قول القائل قم ولا تقعد واقرب مني ولا تبعد؟ نقول نعم فيه فائدة غيرها، وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل أتقول بالباطل وتترك الحق لبيان أن القول باطل قبيح.
المسألة الثالثة:
هل يتناول هذا أهل الكتاب أي هل هم آمنوا بالباطل وكفروا بالله؟ نقول نعم، لأنهم لما صح عندهم أن معجزة النبي من عند الله وقطعوا بها وعاندوا وقالوا إنها من عند غير الله، يكون كمن رأى شخصًا يرمي حجارة، فقال إن رامي الحجارة زيد يقطع بأنه قائل بأن هذا الشخص زيد حتى لو سئل عن عين ذلك الشخص وقيل له من هذا الرجل يقول زيد، فكذلك هم لما قطعوا بأن مظهر المعجزة هو الله وقالوا بأن محمدًا مظهر هذا يلزمهم أن يقولوا محمد هو الله تعالى فيكون إيمانًا بالباطل، وإذا قالوا بأن من أظهر المعجزة ليس بإله مع أنهم قطعوا بخصوص مظهر المعجزة يكونون قائلين بأن ذلك المخصوص الذي هو الله ليس بإله فيكون كفرًا به، وهذا لا يرد علينا فيمن يقول فلعل العبد مخلوق الله تعالى أو مخلوق العبد، فإنه أيضًا ينسب فعل الله إلى الغير، كما أن المعجزة فعل الله وهم نسبوها إلى غيره لأن هذا القائل جهل النسبة، كمن يرى حجارة رميت ولم ير عين راميها، فيظن أن راميها زيد فيقول زيد هو رامي هذه الحجارة، ثم إذا رأى راميها بعينه ويكون غير زيد لا يقطع بأن يقول هو زيد، وأما إذا رأى عينه ورميه للحجارة وقال رامي الحجارة زيد، يقطع بأنه يقول هذا الرجل زيد فظهر الفرق من حيث إنهم كانوا معاندين عالمين بأن الله مظهر تلك المعجزة، ويقولون بأنها من عند غير الله.
ثم قوله: {هُمُ الخاسرون} كذلك بأتم وجوه الخسران، وهذا لأن من يخسر رأس المال ولا تركبه ديون يطالب بها دون من يخسر رأس المال وتركبه تلك الديون، فهم لما عبدوا غير الله أفنوا العمر ولم يحصل لهم في مقابلته شيء ما أصلًا من المنافع، واجتمع عليهم ديون ترك الواجبات يطالبون بها حيث لا طاقة لهم بها. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه ءَايَات من ربه}.
وفيه قولان:
أحدهما: أنهم كانوا يسألونه آيات يقترحونها عليه كما كان يفعله مشركو قريش أن يجعل الصفا ذهبًا وأن يجري بمكة نهرًا.
الثاني: أنهم سألوه مثل آيات الأنبياء قبله كما جاء صالح بالناقة وموسى بالعصا وعيسى بإحياء الموتى.
{قُلْ إنمَا الآيَاتُ عندَ الله} أي أن الله هو الذي يعطي ما يشاء من الآيات لمن يشاء من الأنبياء بحسب ما يرى من المصلحة ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها وإنما جاء كل نبي بنوع منها.
{وَإنمَا أَنَا نَذير مبين} يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم مندوب للإنذار والبيان لا لما يقترح عليه من الآيات وإنما يلزم أن يأتي بما يشهد بصدقه من المعجزات وقد فعل الله ذلك فأجابهم به فقال.
{أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتَابَ يُتْلَى عَلَيْهمْ} يعني القرآن يتلى عليهم وفيه وجهان:
أحدهما: أولم يكفهم من الآيات التي سألوها أنا أنزلنا عليك الكتاب آية لك ودليلًا على صدقك لما فيه من الإعجاز في نظمه وصدق خبره وصحة وعده؟
الثاني: أنه محمول على ما رواه عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب في كتف فقال: كفى بقوم حمقًا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله {أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكَتَابَ يُتْلَى عَلَيْهمْ}.
{إن في ذَلكَ لَرَحْمَةً وَذكْرَى لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} يعني استنقاذهم من الضلال، وبالذكرى إرشادهم إلى الحق.
{لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} أي يريدون الإيمان ولا يقصدون العناد.
قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بالله بَيْني وَبَيْنَكُمْ شهيدًا} يعني شهيدًا بالصدق والإبلاغ، وعليكم بالتكذيب والعناد.
{يَعْلَمُ مَا في السمَوَات وَالأَرْض} وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته.
{وَالذينَ ءَامَنُوا بالْبَاطل} فيه وجهان:
أحدهما: بإبليس، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: بعبادة الأَوثان والأصنام، قاله ابن شجرة.
{وَكَفَرُوا بالله} يحتمل وجهين:
أحدهما: لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتبه.
الثاني: بما أشركوه معه من الآلهة وأضافوه إليه من الأولاد والأنداد.
{أُوْلَئكَ هُمُ الْخَاسرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: خسروا أنفسهم بإهلاكها، قاله علي بن عيسى.
الثاني: خسروا في الآخرة نعيم الجنة بعذاب النار، قاله يحيى بن سلام. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزلَ عَلَيْه آيَات منْ رَبه}.
الضمير في {قالوا} لقريش ولبعض اليهود، لأنهم كانوا يعلمون قريشًا مثل هذه الحجة يقولون: لم لا يأتيكم بمثل ما جاء به موسى من العصا وغيرها، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وعلى بن نضر عن أبي عمرو {آية من ربه} وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم {آيات من ربه} فأمر تعالى نبيه أن يعلم أن هذا الأمر بيد الله عز وجل ولا يستنزله الاقتراح ولا التمني وأنه بعث نذيرًا ولم يؤمر بغير ذلك، وفي مصحف أبي بن كعب {قالوا لو ما يأتينا بآيات من ربه قل إنما الآيات} ثم احتج عليهم في طلبهم آية بأمر القرآن الذي هو أعظم الآيات ومعجز للجن والإنس فقال: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب} ثم قرر ما فيه من الرحمة والذكرى للمؤمنين، فقوله: {أو لم يكفهم} جواب لمن قال: {لولا أنزل} وحكى الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المؤمنين كتبوا عن اليهود بطائق أخبروهم بشيء من التوراة فكتبوه، فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «كفى بها ضلالة قوم أن رغبوا عما آتاهم به نبيهم إلى ما أتى به غيره» ونزلت الآية بسببه.
قال الفقيه الإمام القاضي: والتأويل الأول أجرى مع نسق الآيات، ثم أمر تعالى نبيه بالإسناد إلى أمر الله تعالى وأن يجعله حسبه {شهيدًا} وحاكمًا بينه وبينهم بعلمه وتحصيله جميع أمورهم، وقوله: {بالباطل} يريد بالأصنام والأوثان وما يتبع أمرها من المعتقدات، والباطل، هو أن يفعل فعل يراد به أمر ما، وذلك ألأمر لا يكون عن ذلك الفعل، والأصنام أريد بأمرها الأكمل والأنجح في زعم عبادها وليس الأكمل والأنجح إلا رفضها فهي إذًا باطل، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقالوا}.
يعني كفار مكة {لولا أُنزل عليه آيات منْ ربه} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {آيات} على الجمع.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {آية} على التوحيد.
وإنما أرادوا: كآيات الأنبياء {قُلْ إنما الآياتُ عند الله} أي: هو القادر على إرسالها، وليست بيدي.
وزعم بعض علماء التفسير أن قوله: {وإنما أنا نذير مُبين} منسوخ بآية السيف.
ثم بين اللهُ عز وجل أن القرآن يكفي من الآيات التي سألوها بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفهم أنا أَنزلنا عليكَ الكتاب}؟! وذكر يحيى بن جعدة أن ناسًا من المسلمين أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر إليها ألقاها وقال: «كفى بها حماقة قوم، أو ضلالة قوم، أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى قوم غيرهم»، فنزلت: {أَوَلَمْ يَكْفهم} إلى آخر الآية.
قوله تعالى: {قُلْ كفى بالله} قال المفسرون: لما كذبوا بالقرآن نزلت: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدًا} يَشهَد لي أني رسوله، ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادةُ الله له: إثبات المعجزة له بانزال الكتاب عليه، {والذين آمنوا بالباطل} قال ابن عباس: بغير الله.
وقال مقاتل: بعبادة الشيطان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه آيَات من ربه}.
هذا قول المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء.
قيل: كما جاء صالح بالناقة، وموسى بالعصا، وعيسى بإحياء الموتى؛ أي {قُلْ} لهم يا محمد: {إنمَا الآيات عندَ الله} فهو يأتي بها كما يريد، إذا شاء أرسلها وليست عندي {وَإنمَآ أَنَا نَذير مبين}.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {آيَة} بالتوحيد.
وجمع الباقون.
وهو اختيار أبي عبيد؛ لقوله تعالى: {قُلْ إنمَا الآيات عندَ الله}.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهمْ} هذا جواب لقولهم {لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه آيَات من ربه} أي أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر؛ والكلام مقدور لهم، ومع ذلك عجزوا عن المعارضة.
وقيل: إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عُيَيْنة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيه كتاب فقال: «كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم» فأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفهمْ أَنآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده.
وذكره أهل التفسير في كتبهم.
وفي مثل هذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «لو كان موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي» وفي مثله قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يَتغن بالقرآن» أي يستغني به عن غيره.
وهذا تأويل البخاري رحمه الله في الآية.
وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان.
{إن في ذلك} أي في القرآن {لَرَحْمَةً} في الدنيا والآخرة.
وقيل: رحمة في الدنيا باستنقاذهم من الضلالة.
{وذكرى} في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق {لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ}.
قوله تعالى: {قُلْ كفى بالله بَيْني وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا} أي قل للمكذبين لك كفى بالله شهيدًا يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أني رسوله، وأن هذا القرآن كتابه.
{يَعْلَمُ مَا في السماوات والأرض} أي لا يخفى عليه شيء.
وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم؛ لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته.
{والذين آمَنُوا بالباطل} قال يحيى بن سلام: بإبليس.
وقيل: بعبادة الأوثان والأصنام؛ قاله ابن شجرة.
{وَكَفَرُوا بالله} أي لتكذيبهم برسله، وجحدهم لكتابه.
وقيل: بما أشركوا به من الأوثان، وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد.
{أولئك هُمُ الخاسرون} أنفسهم وأعمالهم في الآخرة. اهـ.